“إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ”
“لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ” (2كور 5 : 19و21)
عندما فتح الرب يسوع قلوبنا وقبلناه مخلّصًا لحياتنا. بادلناه مبادلة غير متكافئة ولو نسبياً. إذ أننا اعطيناه حمل خطايانا ليموت عنها على الصليب، وسكب لنا برّه فصرنا أبراراً أمام الله، وهذا ما يعنيه المسيحيون بكفارة المسيح عن الخطية. والمقايضة بين الناس عادة ما تتم، عندما يتبادل اثنان اشياء لها قيمة متساوية. لكن الله منحنـا بـرَّه مقابل خـطايانا، وأعطانا ما قيمتـه لا نهائية، مقابل تعدياتنا على وصاياه .. فكم بالحري يجب ان نكون شاكرين لصلاحه ولعظمة محبته من نحونا؟
نسأل ذواتنا أحياناً، كيف جعل الله المصالحة ممكنة؟ كيف يقدر ان يقبل خطاة مذنبين يأتون اليه في التوبة والايمان؟ الجواب هو ان الرب يسوع عالج مشكلة خطايانا على الصليب بالكامل. وهكذا نقدر الآن ان نتصالح مع الله. وبكلمات أخرى، الله جعل المسيح خطية لأجلنا وهو البار الذي لم يفعل خطية لنصير نحن بر الله فيه “لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!” (رومية 5 : 10) وبكلمات أخرى، جَعَلَ المسيح الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، فإن لساننا يعجز ولن يتمكن من شكر الله شكراً كافياً على هذه النعمة الغير محدودة “وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ” (2كور 5 : 18) “إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ” (كور 5 : 20)
لم يكن يسوع خاطئاً، حتى على الصليب، وعلى الصليب عامله الآب وكما لو أنه خاطئاً، غير ان الخطية كانت خارج يسوع لا داخله، فلم تكن جزءاً من طبيعته كما هو حالنا نحن. ولم يكن مذنباً، كما لو كان مذنباً. نعم لم يعامل كخاطىء فحسب، لكنه عومل كما لو انه كان الخطية نفسها في المطلق. وهذا لفظ مذهل. جُعل الخالي من الخطية، خطية لنصير نحن بر الله فيه. فقد أخذ يسوع خطيتنا، لكنه أعطانا بر الله. وهذه مبادلة هائلة مدفوعة بمحبة الله لنا. فيا له من تعبير عظيم جداً ان يجعلنا ابراراً من خلال بر يسوع، بل يجعلنا براً. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهو يجعلنا بر الله. وهذا أسمى من بر آدم في جنة عدن. إنه أكثر روعة من كمال الملائكة.
لقد بنى الرسول بولس دعوته للناس الى المصالحة مع الله على ما ذكره سابقاً في هذه الآية ” تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ” وكان يمكنه ان يبنيها على أمر آخر. لكنه بناها على ان المسيح صار خطية لأجلنا لأنه من أقوى الحاملات على المصالحة مع الله. وإنه في طاقة كل مسيحي متجدد ان يتيقن نيله السماء لأن ذلك يساعده على التجربة ويعزيه في الضيق ويريحه عند الموت. فلا بدّ لهذا الجسد من انحلاله بالموت بعد قليل لأنه يشبه خيمة سهلة الانتفاض لا بيتاً ثابت الاركان. وبناء على ذلك يجب ان نتوقع الموت ونستعد له إذ الانتظار له لا يقدمه والغفلة عنه لا تؤخره.
الموت للمؤمن يا اخوتي لا يخيفه، لأن له رجاء في الحياة الأبدية، والموت ما هو إلاّ انتقال من العالم الشرير الى الامجاد السماوية. والاستعداد للموت عند البعض ليقوم الانسان بإتمام واجباته لأهل بيته ككتابته وصية ما. أما نحن فعلينا ان نكون مستعدين “لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ” (متى 24 : 44) فالحياة تعب وشقاء وأنين من الخطية والتجارب والمشقات والهموم. إلاّ ان للمسيحي المؤمن وطناً دائماً في السماء وهو هنا غريب بين غرباء. وان عليه ان يقبل بالرضى والصبر كل ما يضعه الله عليه من الحزن والشقاء والأمل لأن الله يقصد نفعه بذلك. فيجب ان نحتمل كل ما عينه الله من الأثقال وهموم الحياة دون تذمر وأن لا نريد الموت إلا متى اظهر الله ارادته ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عنده في ملكوته “لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ” (رومية 14 : 7)
ونِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِين.
ريمون سابا