“خبر صادم” ذلك الذي قرأناه في “الغد” يوم أمس، عن إدخال وزارة التربية والتعليم تعديلات وصفت بأنها “جوهرية” على كتب التربية الاجتماعية والوطنية والمدنية للعام الدراسي الجديد، تضمنت إعادة الاعتبار لأكثر من 6 % من الشعب الأردني الذي يدين بالمسيحية، بعدما ظلت على مدى قرون تؤكد في جميع مناهجها أن “سكان المملكة يدينون بالإسلام”.
ورغم ما يمثله الخبر من أمل بأننا نحدد في الأردن أولوياتنا في العيش المشترك وسط محيط يشتعل بالتناحر الإثني والقومي والديني، إلا أنه يمثل، كذلك، عارا كبيرا حين ندرك أننا احتجنا إلى زهاء مائة عام من عمر الدولة، لنعترف بوجود آخرين يشاركوننا هذا الكيان الجيوساسي وحبه، ولم يبخلوا يوما بما استطاعوا في سبيل نمائه.
ليس صدفة أنه لا توجد أي قيود على بناء الكنائس في الأردن، كما هو حاصل اليوم في العديد من البلدان العربية أو الإسلامية، فالمسيحيون الأردنيون أقاموا في هذا البلد من قبل أن يأتي الإسلام. وبعد مجيئه، ظلوا على حالهم، يمارسون حريتهم الدينية والاجتماعية التي تعودوا عليها على مدى القرون، وظلوا يمارسون، كذلك، انتماءهم الحقيقي والصادق لوطنهم.
المسيحيون الأردنيون لم يكونوا يوما طارئين على البلد، بل هم من الأعمدة الرئيسة لصناعة نهضته وتقدمه. وهم لم يعيشوا في “غيتوهات” منعزلة، بل في جميع الفضاء الأردني؛ بمدنه وقراه.
قبل أعوام قليلة، خاض الأردن معركة سياسية ودبلوماسية وتسويقية، لكي يتم الاعتراف بأحد الأماكن على أنه مكان عمّاد السيد المسيح عليه السلام. وقد احتفل الأردنيون جميعهم حين تكلل ذلك المسعى بالنجاح، فصرنا نفاخر بهذا المكان الواقع قرب البحر الميت. فكيف يستقيم الأمر للزائر الذي يأتي إلينا كمكان حاضن لواحد من أكثر الطقوس قدسية لدى المسيحي، حين يعلم أن تجربتنا في التعايش مع أبناء دينه منقوصة، وأننا نقصي من المشهد مواطنين، “جريرتهم” أنهم يختلفون معنا في الدين، ولا يتم ذكر وجودهم في المناهج التي يدرسها أبناؤهم؟
وإذا استطعنا أن نتحايل في الإجابة عن السؤال السابق، فكيف نفرّ من مئات المواقع الأثرية والحديثة التي تفضح ادعاءاتنا بأن “سكان المملكة يدينون بالإسلام”؟ لمن تدق أجراس الكنيسة بالقرب من بيتي في خلدا؟ ومن يرتاد تلك المباني الجميلة التي تعتليها الصلبان الكبيرة في العبدلي واللويبدة والصويفية وعجلون والكرك وإربد الفحيص والحصن، وغيرها من الأماكن؟
لكن قبل الاستشهاد بالحجارة والصلبان، كيف لنا أن نفسر لأعلام كبار تغييب كينونتهم الدينية، بينما نفاخر بهم وبإنجازاتهم على الدوام؟ قائمة تطول من أسماء المسيحيين الأردنيين الذين جبلوا عرقهم بتراب هذا البلد، وأسهموا بإخلاص في أن يكون على ما هو عليه اليوم: روكس بن زائد العزيزي، سليمان الموسى، غالب هلسا، يوسف القسوس، أديب عباسي، نايف حواتمة، مروان المعشر، عبير عيسى، جميل وجوليت عواد، عيسى الناعوري، فخري قعوار، موسى حجازين، نبيل صوالحة، نبيل المشيني. ومع علمي أنني نسيت كثيرين، إلا أنني لا أنسى أستاذي الذي أدين له بالكثير، جورج حواتمة.
أوليس من حقنا بعد هذا كله أن نسأل كذلك: ما الذي يمنحنا الحق في أن نصدر “رسالة عمان” حول الأخوة الإنسانية والعيش المشترك، ونحن نلغي وجود إخواننا المسيحيين من مناهجنا؟
تصحيح هذا الاختلال في المناهج التعليمية خطوة صحيحة، نتمنى أن تتبعها خطوات تالية للنظر في جميع الاختلالات الموجودة. فنحن نريد مناهج تعلم أبناءنا أن في الأردن مسيحيين كانوا على الدوام جيرانا وإخوانا.. وشركاء في الوطن.
alghad.com