اختار سعدالله سميح جحا أن يقدم في كتاب الرسائل المتبادلة بين القديسين هيرونيمس واوغسطينس، نموذجاً بالغ الأهمية عما كان لتبادل الرسائل والكتب بين آباء الكنيسة الاولين من أثر بالغ في فهم الايمان المسيحي على حقيقته، من خلال التفسيرات التي كانت مطروحة للبحث والنقاش، إن في النصوص الكتابية أو في مؤلفات أدباء المسيحية، هراطقة كانوا أم أصحاب ايمان قويم، أو في نظريات فلاسفة اليونان والرومان وسواهم، لا يثنيهم عن ذلك رأي أو جفاء تعبير أو بعد مسافة. وهذه الرسائل على قلتها تبرز في آنٍ معاً، شخصية كل من القديسين العظيمين، وأسلوبهما في التفسير والكتابة، وتعاطيهما مع الآخر، حيناً بقسوة وجفاء وأحياناً برقة ومرونة وطلاوة، ولكن دون تملق ومحاباة كما تظهر من جهة الأسقف غير المتعالي بعلمه ومقامه، ومن جهة أخرى الناسك الصلب العارف بغزارة علمه، الذي امتهن الدرس والمطالعة والشرح والتعليم والتأديب وملاحقة الهراطقة في عقر دارهم، والخاضع أبداً لسلطة لا تُذعن لاضطهاد وتتمسك بحقيقة الايمان حتى الشهادة.