في مطلع القرن السابع عشر، قامت على رقعة واسعة في وسط أميركا الجنوبية، محاولة فريدة من نوعها في التاريخ. فإن الحكومة الإسبانية مستعمرة تلك البلاد، سمحت للرهبانية اليسوعية الفتية بإنشاء ما يشبه "دولة"، قوامها سلسلة من القرى النموذجية أو "الحواضر" حيث جُمع الهنود الكواراني ليُنقلوا، إن هم أرادوا من حال البداوة إلى حياة الحضر. بعيداً عن استغلال المستعمرين، ناعمين بالحماية والأمان والاحترام، عائشين ضمن نظام جماعي اشتراكي حر يستند إلى تعاليم الإنجيل وحقوق الإنسان. وازدهرت تلك القرى على مختلف المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن الدينية وحتى العسكرية (للدفاع عن النفس). وبقيت تؤدي رسالتها حتى سنة 1768 حيث أُجبر اليسوعيون على مغادرة المنطقة بأمر من البابا، بعد أن ضغطت عليه الحكومات الأوروبية المناهضة للدين عامةً والرهبانية اليسوعيّة خاصةً. إن في تلك المحاولة الفذّة عبرة لكل من ينشد ترقّي الشعوب وبناء مجتمعٍ إنسانيّ أفضل. ولقد رواها كتاب البرتو ارماني بدقةٍ علمية بالغة ونزاهة في معالجة المعطيات نادرة.