يمتد حكم الدولة الفاطمية لمصر خلال الفترة (0969-1171م)، ويبدأ بدخول الجيش الفاطمى مصر بقيادة جوهر الصقى سنة 969م حيث لم يواجه بأية مقاومة حقيقة، وانتهى الامر بتفاوض المصريين مع جوهر فكتب لهم الامان، وحكم باسم الخليفة الفاطمى لمدة اربع سنوات هجرية حتى انتقل الخليفة المعز لدين الله الى مصر سنة 972 وامتدت الخلافة الفاطمية فى مصر قرابة مئتى عام. ( المسيحية عبر تاريخها فى المشرق- مجموعة مؤلفين)
شكل المسيحيون العرب جزءا فاعلا ومنسجما فى العصر الفاطمى، مع الاحتفاظ بخصوصيتهم الدينية، وكسب المسيحيون احترام الجميع بما فى ذلك الخلفاء انفسهم وشغل الكثير منهم مناصب هامة فى الادارة من كتبة وجامعى ضرائب ومشرفين على خزانة الخلافة نفسها وكان هؤلاء الموظفون المسيحيون محل تقدير الحكام وثقتهم (تاريخ المسيحية الشرقية- عزيز سوريال عطية). وحمل العصر الفاطمى تغيرا كيفيا فى عملية تحول الاقباط الى العربية سيما فى ظهور مؤلفات بالعربية فى مجالات شتى لمؤلفين أقباط لم تعرف لهم مؤلفات بغير العربية كساويرس بن المقفع (أسقف الاشمونيين) وسعيد بن بطريق ( البطريرك الملكانى).
حضور واضح للمسيحيين
فى العصر الفاطمى الاول (969-1055م) تنوعت الأنشطة الاقتصادية وكان حضور المسيحيين واضحا، فقد كان المسيحيين أحد مكونات الشعب المصرى ويشكلون جزءا نشيطا كبير العدد يقدر بحوالى ثلث السكان وقامو بدور هام فى الحياة الاقتصادية، وأسهموا بنصيب كبير فى النشاط الزراعى، اذا كانوا يمتكلون الاراضى الزراعية والضياع الواسعة. كما شاركو فى النهضة الصناعية الكبرى التى شهدتها مصر فى ذلك العصر، إذ كان اهل الذمة وبخاصة الأقباط هم عماد الصناعة وعلى أيديهم ازدهر النشاط الصناعى وقد وجدت بعض القرى والمدن المصرية التى غلب على سكانها الأقباط الذين انتشرت بينهم اللغة العربية وبخاصة بعد تعريب الدواويين وحرصهم على تعلمها. (المواطنة المصرية- وليم سليمان قلادة)
المسيحيون فى السياق الاجتماعى
شكل المسيحيون طبقة اجتماعية متميزة وامتلك رجال الدولة من المسيحيين الثروات الطائلة والقصور الفخمة ومنحهم الخلفاء الفاطميون الالقاب ( أهل الذمة فى العصر الفاطمى الاول- سلام شافعى). وانتشر الأقباط دميوغرافيا فى الاراضى المصرية كافة، كما تواجدوا فى كل الطبقات الاجتماعية، ويعتقد الكثيرون ان هذا التغلغل القبطى الاجتماعى، اضافة الى تحول الأقباط الى اللغة العربية، قد ساهم بشكل أساسى فى الاندماج الثقافى والحضارى بين الأقباط والمسلمين وفى استمرار الاقباط والكنيسة الارثوذكسية كواقع مميز للحياة المصرية عبر كل العصور، وهذا ينعكس فى العناصر الثلاثة التالية ( المسيحية عبر تاريخها فى المشرق- مجموعة مؤلفين)
اولا : المسيحيون فى الادارة العليا للخلافة
تذبذب وجود الأقباط فى ادارة الخلافة صعودا وهبوطا طوال الحكم الفاطمى، فبينما كان لهم وجود ملحوظ فى العصر الأول للخلافة، تراجع وجودهم تدريجيا فى العصر الثانى حتى مجئ آخر وزراء الخلافة صلاح الدين الأيوبى، الذى اخذ بفتوى القاضى البيسانى بألا يستخدموا النصارى نظار أموال ولا مشرفين.
كات الخلافة الفاطمية تدار من خلال الدواويين المتخصصة، فكان لها أربعة عشر ديوانا أشرف على بعضها وعمل فيها الكثير من الأقباط، أهم هذه الدواوين ديوان المجلس الذى يذكر عنه المقريزى، نقلا عن ابن الطوير، أنه أصل الدواوين وبه كل علوم الخلافة. ولم يكن يتولى ادارته عادة سوى المسيحيين. كما كان هناك وجود مسيحى واضح فى ديوان التحقيق وهو الديوان الذى لم يكن يتولاه الا كاتب خبير.
وانخرط المسيحيين فى كافة الدواوين الحكومية كموظفين صغار وكتبه، وكأصحاب خبرات فى النواحى الادارية وخاصة ما يتعلق فى تحديد الاراضى الزراعية وتقسيمها تمهيدا لجباية ما عليها من خراج وهو المهن التى توارثها الأقباط طوال الحكم الاسلامى فكان منهم المساحون والقصابون وغيرهم. (المسيحية عبر تاريخها فى المشرق، مجموعة مؤلفين)
ولا يمكن ان ننسى ان كثير من الاطباء من المسيحيين كانوا بارعين فى مجال الطب وهو من عوامل بقائهم بالرغم من شتى الضغوط الاجتماعية الدينية التى تعرضوا لها، فكانوا يعملون فى زمن (عضد الدولة) او من بعده فى البيمارستان (المسشتفيات) الذى بناه ببغداد سنة 980 ومنهم الطبيب الشاعر أبا الحسن (او الحسين) بن غسان البصرى، وأبو سهل عيسى المسيحى بن يحيى الجرجانى ، الطبيب الممتاز صاحب التصانيف الكثيرة وجبرائيل بن عبد الله بن بختيشوع الذى الف العديد من الكتب والحقة عضد الدولة بالبيمارستان الذى انشاه ببغداد (احوال النصارى فى خلافة بنى العباس-د.جان موريس فييه)
ويروى لنا ابن العبرى ان المسيحيين تولوا شئون الوزارة فى الدولة العربية المصرية دو ان يضطرهم احد الى جحود دينهم..اذا ان العرب لا ينيطون الوزراء الا بمن ينضم الى الاسلام (ابن العبرى- تاريخ الزمان). الامر الذى يعنى ان المسيحيون كانوا موجودين بشكل كبير فى ادارة الخلافة الفاطمية على مستوياتها كافة، اكثر من اى فترة اخرى من فترات الحكم الاسلامى.
ثانيا : التسامح الدينى
يتفق اغلب مؤرخى الفترة الفاطمية على نعتها بانها نموذج للتسامح الاسلامى مع غير المسلمين ويدللون على ذلك بامور اهمها ما يلى:
ازدياد وجود الأقباط فى المناصب الادارية العليا للخلافة، حرية اقامة الشعائر الدينية والاحتفالات الدينية وبناء الكنائس، التساهل فى تطبيق الشروط العمرية “نسبة الى عهد عمر بن الخطاب” (المسيحية عبر تاريخها فى المشرق، مجموعة مؤلفين)
وان كان هذا التسامح لا يخلو من فترات تعصب واضطهاد دينى مثلما حدث فى عهد الخليفة الحاكم بامر الله (996-1021) الذى طرد المسيحيين من الوظائف العامة وامر بارتدائهم زيا خاصا وان يحملوا على صدورهم صليبا وزنه خمسة ارطال (تاريخ المسيحية الشرقية- عزيز سوريال عطية) وهدم الكثير من الأديرة ولم يبقى منها الا القليل كما يذكر المقريزى.
ثالثا: قوى الانتاج فى العصر الفاطمى
انتشر فلاحو الأقباط بكثافة فى التركيب السكانى للريف المصرى، الأمر الذى أتاح لهم ان يساهمو بقدر كبير فى الانتاج الزراعى آنذاك فأثرو وتأثروا بالسياسة الزراعية لمصر فى عصر الفاطميين. ( أهل الذمة فى العصر الفاطمى الاول- سلام شافعى)
وكان للأقباط فى الصناعة دور مهم فى تطويرها، وذلك لرغبة الفاطميين فى استغلال مهارة الأقباط فى الانتاج الصناعى وتنوعت الصناعات فى مصر الفاطمية وتطورت أساليبها فتضمنت : النسيج، السفن، الأسلحة، السكر، الورق، الزجاج، المعادن.
وفى مجال التجارة، كان للمسيحين العرب اسهاما كبيرا فى سد حاجة سكان القرى بالاسواق العامرة، فكانت مدينة “تنيس” الصناعية الكبرى كان بها ما يزيد عن عشرة الاف دكان عطار واشتهرت بتجارة الغلال، حتى كان لدى واحد منهم ما يكفى لاطعام اهل مصر(الفسطاط) عدة سنوات. (الكنائس الشرقية وأوطانها- الجزء الثانى–الراهب القس اثناسيوس المقارى)
نهاية العصر الفاطمى
انتهى العصر الفاطمى بكارثة اصابت الجميع باحراق مدينة الفسطاط سنة 1168م بواسطة شاور وزير أخر الخلفاء الفاطميين العاضد (1160-1171) بعد صب عشرين الف برميلا من النفط ليشعل المدينة لهيبا وظلت المدينة لمدة اربعة وخمسين يوما مشتعلة وتقول بعض المصادر القبطية ان اغلب سكان الفسطاط كانوا من الاقباط الذين تشردوا بعد احراق مدينتهم فى مختلف الكفور والنجوع. (تاريخ المسيحية الشرقية- عزيز سوريال عطية)
إقرأ أيضاً
من المهم معرفة تراث المسيحيين العرب واسهاماتهم فى الحضارة العربية
اولا الاقباط هم اصحاب البلد الاصليين والمسلمين جاؤا غزاة همجيين لا يفهمون من امور الحياة الا السلب والنهب بقوة السيف ثانيا المسلمين وظفوا الاقباط في الدولة ليس حبا بهم او رحمة انما لانهم لايعرفون كيف تدار الامور وكذلك لايثقون بالموظفون المسلمين. انظر ماذا جرى ويجري في الدول التي يحكمها المسلمين ………………..،،،
مقال ومعلومات مفيدة جدا كنت اجهلها. شكرا للكاتب.. للمسيحيين تاريخ ناصع البياض عبر مسيرتهم. إنه شعب مبارك