إخوتي وأصدقاء، أودّ أن أشارككم بالذي حصل معي في صباح ١٦-١٩ أيلول ٢٠١٥، في مدينة روما، تقام فعاليات اللقاء العالمي الأول للشبيبة المكرسة، حيث التقينا بالكثير من المكرّسين، من رهبانيات عديدة، من كل أنحاء العالم، حوالي ٥٠٠٠ مكرس ومكرسة.
يوم ١٧ أيلول، كان اللقاء مع قداسة البابا فرنسيس في قاعة البابا بولس السادس. لن أخبركم عن كيفية وصولي أمام البابا. لأنكم لن تصدقوا. لأني أنا أيضاً لا أدري كيف. المهم، طلب مني أن أقرأ السؤال الأول من الأسئلة الثلاثة التي ستوجه حديث البابا أمام الحضور. ألقيت السؤال باللغة الإيطالية، حيث طلبت من البابا بأن يحدثنا عن تاريخ دعوته، لماذا أصبح مكرساً للرب؟، لماذا أصبح كاهناً؟.
بعد قراءة السؤال قال لي وهو يبتسم: “من أين أنت؟”، فعلى التصفيق لبساطة وعفوية السؤال. بقيت صامتاً قليلاً، أفكر كيف يجب عليّ أن أجيب، وعلى وجهي ابتسامة لهذا السؤال المفاجئ. في تلك اللحظات مرّ في ذهني الكثير من الوجوه؛ وجوه أصدقاء وشبيبة وأولاد وأهالي… والكثير من الأماكن الجميلة والأماكن التي كانت جميلة قبل أن تدمرها الحرب في مدينتي، حلب.
أجبت رافعاً صوتي: “من حلب، سوريا”. فعلى التصفيق القاعة من جديد. ورأيت البابا ينهض من على كرسيه، ويتجه نحوي، وعانقني. لقد ربّت على كتفي بحرارة. لم أعد ادري ما أقول. لقد كان شعوري غريباً، شعرت بأن البابا لم يعانقني لشخصي فقط، بل عانق فيّ كل شعب مدينة حلب، وكل شعب سوريا. هو الذي قال وأعاد القول عن سوريا، بأنها سوريا الحبيبة.
قلت له بصوت خافت بعيداً عن الميكرفون: “لقد احضرت لك هدية”، “إنها مقذوفة طلقة”، “واحدة من آلاف الطلقات وشظايا الهاون التي تسقط يومياً على مدينة حلب، وهذه الطلقة بالذات سقطة في مركزنا السالزياني في حلب، في الملعب حيث يلعب الأولاد. إننا يا قداسة البابا كسالزيان سوريا موجودين في حلب ودمشق ومنطقة قريبة من حمص (الكفرون)، نعمل من أجل الشبيبة كما أراد دون بوسكو. يوجد أيضاً الكثير من الرهبانيات والأبرشيات التي تعمل هناك. أبتي!، لقد تعبنا. أذكرنا في صلاتك فنحن بحاجة. أنا عائد لحلب بعد ثلاث أيام”.
أمسك بيد وشدّ عليها بحرارة شديدة، شعرت بها من رأسي حتى أخمص قدمي. .. شعور لا يوصف.
في ختام اللقاء على عادة البابا نزل لتحية الحضور ماراً بالممر الذي يتوسط القاعة، فمرّ بي من جديد وتصافحنا وقلت له: “أبتي، لا تنسانا”، فأجابني ذاكراً اسمي، ومخرجاً الطلقة من جيبه، ومشيراً بإصبعه عليها: “بيير، لا يمكنني أن أنسى سوريا. أنتم دائماً في صلاتي”. وتابع سيره نحو الجموع. أنا واثق بأن اليوم بشكل خاص، كانت سوريا، وخاصة مدينة حلب الغالية، حاضرة في ذهن وصلاة قداسة البابا فرنسيس.
شكراً قداسة البابا،
شكراً على كلماتك، شكراً لقربك،
والسلام لبلدنا الغالي سوريا.
الأب بيير جابلويان