قام تنظيم داعش المتطرف بارتكاب عمل آخر من أعمال التخريب والتدمير في سوريا. وبصرف النظر عن ارتكاب آلاف أعمال العنف الوحشية في إطار الأزمة السورية التي لا نهاية لها، فإنها لفتة تحمل دلالة أيديولوجية، ودينية، وعسكرية. وقد تم نشر صور هدم دير مار اليان ، الذي يقع بالقرب من بلدة القريتين، ويعود إلى القرن الخامس، وصور تدنيسه بطريقة فورية وتعميمها حول العالم.
ينبعث هذا الحنق العقائدي التي أطلقته “الخلافة” من استراتيجية مدروسة بعناية. أنها تطلق ازدراء أعمى لرموز الإيمان المسيحي في محاولة لتأجيج الصراع بين الحضارات والأديان في جميع مناطق البحر المتوسط. فإذا ما ترسخ مثل هذا السيناريو بصورة تامة، عندها ستتمكن الدولة الإسلامية في العراق والشام من الحصول على المزيد من الدعم، ومن تعزيز قوتها بالاستفادة من اليأس والإحباط اللذان يصيبان السكان الذين دمرتهم الصراعات في مجمل منطقة الشرق الأوسط.
فالجرافات التي هدمت دير مار اليان القديم تشكل جزءاً من مشهد العنف -مواد الرعب الإباحية- الذي يبرز قطع الرؤوس، إضافة إلى تدمير آثار البلاد التاريخية، ويمتد إلى إدخال الشريعة الإسلامية التي تمثل انتهاكاً وهرطقة داخل الإسلام نفسه بحسب ما كشفه العديد من ممثلي العقيدة الإسلامية في جميع أنحاء العالم الذين نددوا بها أيضاً. فالدولة الإسلامية في العراق والشام تحتاج بالتأكيد إلى تهديد المسيحيين وخطفهم، وإلى أن تحلم بغزو روما وكنيسة القديس بطرس بصفتها عاصمة الكاثوليكية، لجعل الأمر يبدو وكأنه صراع بين الأديان، وليس معركة شرسة من أجل السيطرة على البلاد والمنطقة تهدف إلى تحقيق العديد من المصالح الجيوسياسية داخل سوريا وخارجها.
كما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن التنظيم قام بنقل نحو 110 من مواطني مدينة القريتين، بينهم العشرات من المسيحيين، من القصر القطري في تدمر بريف حمص الشرقي، إلى مدينة الطبقة، بمحافظة الرقة، ومن ثم تم نقلهم إلى مزارع قرب مدينة الرقة، بعد اختطافهم منذ أسبوعين.
ويستمر النزاع في الواقع في كل مكان. وكما ندد النائب الرسولي في دمشق المونسنيور ماريو زيناري في عدد من المناسبات، فإننا نواجه حالياً أزمة إنسانية غير مسبوقة. فهناك 12 مليون نازح في الداخل إضافة إلى اللاجئين، وحوالي 300 ألف قتيل، ومئات الآلاف من الجرحى، في حين أن المستشفيات تفيض بما لديها من المصابين، كما أن عدد الضحايا من المدنيين لا حصر لهم، إضافة إلى انتشار الفقر بعد سنوات من الحرب. فقبل بضعة أيام فقط، قصفت طائرات النظام السوق في دوما، التي تبعد 10 كيلومترات من دمشق، وهذا السياق تتعزز الأصولية.
يقع دير مار اليان في واحة بالقرب من بلدة القريتين في منطقة حمص وكان يرتبط بجماعة دير مار موسى التي أسسها الكاهن اليسوعي الإيطالي الأب باولو دالوليو الذي اختطف في 29 تموز 2013 في الرقة ولم يشاهد منذ ذلك الحين، حيث لقي العديد من المؤمنين نفس المصير.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 20 ألف شخص قد اختفوا بعد أن القت القبض عليهم مختلف الأطراف المتنازعة في سوريا. ففي بداية آب، سقطت بلدة القريتين بأيدي الدولة الإسلامية في العراق والشام، وبعدها مباشرة اختطفت جماعة متطرفة 230 مدنياً، بينهم على الأقل ستون شخصاً من المسيحيين، من النساء والأطفال. وتم إطلاق سراح ثمانٍ وأربعين شخصاً من المجموعة فيما بعد، في حين تم نقل 110 شخصاً لمحافظة الرقة في قلب الدولة الإسلامية. ولا يزال مكان وجود الآخرين غير معروف.
إنها نفس المنطقة التي اختطف فيها رئيس دير مار اليان الأب جاك مراد في شهر أيار الماضي. كان المجتمع حينها منغمساً بشكل واضح بالدفاع عن الحوار والعيش السلمي بين المسيحيين والمسلمين. وحتى في هذه الأوقات الصعبة من الحرب، كان الدير يشكل وجهة حج هامة. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بلدة القريتين تقع على الطريق التي تربط شمال البلاد وجنوبها، بين تدمر وحمص. إن هذا المنطقة بالغة الأهمية في سياق الصراع الحالي، بصورة جزئية لقربها من لبنان، كما أنها ومهمة أيضاً من حيث احتياطيات الغاز الذي تحويه.
ناشطون حقوقيون أبدَوا استياءهم من طمس الآثار والحضارات وعلّقوا على الحادثة بالقول إن “دير مار إليان كان موجودا في زمن الصحابة والتابعين، ولم يقم أحد منهم بهدمه“” فيما ردّ أنصار التنظيم بأن هدم “دير مار أليان” هو واجب شرعي “لا ينتظر التفكر في مضاره ومفاسده“.
ولكن الأخطر من هدم هذه الحجارة ولو كانت أثرية، هو مصير مئتين وستة وسبعين مسيحيا من السريان الكاثوليك والارثوذكس الذين احتجزهم داعش مطلع الشهر الحالي في القريتين. هذا فضلا عن المصير المشابه لرئيس الدير الأب يعقوب مراد ورفيقه بطرس منذ اختطافهما من الدير في 27 أيار الماضي، والذي يثير المخاوف أكثر هو الحديث عن ترحيل المسيحيين أو نقلهم إلى الرقة أو حتى مقايضتهم بمعتقلين أو مسجونين في سوريا ولبنان، في حين يتكلّم البعض عن أنّ داعش سيعمد إلى تخيير المسيحيين بين “اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، ولكن هذه المعلومات تبقى متضاربة وغير دقيقة بحسب ما أوضح المدبّر البطريركي للسريان الكاثوليك الخورأسقف فيليب بركات لتيلي لوميار ونورسات.
هذا الدير الذي يحوي رفات القديس إليان الحمصي، القديس المسيحي الذي قتل خلال الاضطهادات الرومانية في القرن الثالث، يحوي أيضاً مخطوطات أثرية. ووفقاً لمواقع سورية تاريخية، فإنه في بداية القرن العشرين سكن دير مار إليان مسلمون ومسيحيون، إلى أن تهدمت بيوتهم في ثلاثينيات القرن الماضي.
فلماذا يصمت العالم أمام إبادة ثقافة اللقاء وحوار الأديان إلى جانب إبادة مسيحيي سوريا؟
https://www.youtube.com/watch?t=10&v=5yoP2OPHhks
الله ينتقم منكن اشد انتقام يا داعش . تخلف وجهل – داعش هي حركة شيطانية واضحة تماما